جمع ثروته حول العالم وحملها إلى دمشق

جمع ثروته حول العالم وحملها إلى دمشق

إعمار سورية :

لم يسمح لسنواته السابعة والثمانين بالنيل من عزيمته على العمل، ولم ير فيها سبباً للتوقف عن التخطيط أو الاكتفاء، بل يبدو أنها تشكل حافزاً مهماً ليقدم المزيد من الخبرات والمشاريع التي لا يزال يدرسها بلهفة الخطوة الأولى..رجل الأعمال والصناعي السوري د.إحسان البعلبكي وضع جميع استثماراته وأعماله جانباً وجعل من نجاح عائلته واستقراره في دمشق أهم نجاحاته، وبعد أن حاز على شهادتي تخطيط اقتصادي ودراسة المشاريع من جامعة ستانفورد وأقام مشاريع عدة في دول أجنبية وأوروبية عاد إلى دمشق وأسس فيها “إرث أولاده” متحدياً ظروف الحرب والحصار.

وعن خطوته الأولى في مضمار العمل يقول: بعد أن تخرجت من الجامعة في أمريكا عرض عليّ فرص هامة للعمل في البنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة براتب 4000 دولار، إلا أني اخترت العمل مقابل 500 ل.س في معمل والدي للبرادات والأثاث المعدني وعدت إلى دمشق بناءً على رغبته، وعملت معه في القسم الصناعي لصناعة الطاولات والكراسي المعدنية، وخلال عامين فقط تطور المعمل بالتعاون مع أكبر أربع شركات ألمانية، وبعدها بقليل كانت الانتكاسة الأولى بتأميم المعمل جزئياً عام 1960 ورغم استعادته إلا أنه أعيد تأميمه بالكامل عام 1963.

هنا كان الصناعي المبتدئ أمام منعطف قاسٍ حيث عاد إلى نقطة الصفر ولم يجد له أي سند بعد أن قال له والده “روح دبر حالك”، فجعل من بيروت وجهته الجديدة ولكن ليس كعامل..بل أحدث خلال عام واحد وبرأس مال لا يتجاوز 50 ألف ليرة لبنانية مؤسسة تسويق دولية تواصلت مع الشركات الأجنبية لإعداد دراسة لتسويق منتجاتها مقابل دفعة سنوية ألف دولار، فكانت النتيجة أكثر من 500 مشترك خلال ستة أشهر، وخلال عامين أصبح يملك 500 ألف دولار.

يستذكر البعلبكي أرباحه الأولى بابتسامة الرضا ويضيف: الفكرة كانت جديدة وكنت مقتنع بها والرهان كان على الفكر والمثابرة بالعمل فكنت أستقبل مندوبي الشركات بالمطار وأقدم لهم الخدمات اللوجستية، وسوقت في الشرق الأوسط وإيران والهند واليونان، ثم اتجهت لتطوير عمل المؤسسة وكان رأس المال كافياً بحيث لم احتج لاستخدام أي قرض، وبعد نحو ثلاث سنوات اشتريت أسهم في مصرف لبنان والمهجر، لتصبح نسبتي حاليا في بنك سورية والمهجر 5%.

وكما يفرض فكر الاقتصاد وريادة الأعمال لم يتوقف رجل الأعمال السوري عند حد تطوير الشركة، حيث التفت إلى الصناعة والتجارة وبدأ البحث عن المصانع المتعثرة في العالم “لبنان – انكلترا – فرنسا” ليشتريها ويطورها ومن ثم يبيعها، باعتباره كان من أبرز الأعمال المربحة في ذلك الوقت، ولم يتطفل البعلبكي على الاختصاص الجديد فاستعان بمدراء مختصين لإدارتها برواتب مغرية وأسهم لهم فيها فكانت النتيجة النجاح لتلك الشركات التي قدر عددها بعشرين شركة حول العالم “اسمنت – زجاج – ألبسة – الكيمياء – السكر – المواد الغذائية…إلخ”…وهنا كان له قفزة نوعية ليتابع حديثه قائلاً: وصلت إلى مرحلة أصبح لدي فيها أكبر مصنع للألبسة العسكرية في انكلترا عام 1980، وحصلت على جائزة الملكة إليزابيت كأكبر شركة تصدير في انكلترا، ونلت شهادة أخرى من الحكومة النرويجية على أكبر شركة تصدير لشركات النرويج، ودخلوا معي بشراكة بشركة التصدير النرويجية.

أما عن السر الذي قاده لهذا النجاح على مستويات عدة يضع البعلبكي راحة الموظف والعامل وإعطائهم حقوقهم فوق كل اعتبار، معتبراً أن الموظف يجب أن يأخذ حقه ليشعر أن الشركة تعنيه ويعمل بتفاني، مضيفاً: التربية المنزلية أيضاً كانت أساس النجاح، فأنا من عائلة زراعية بالأساس، ورغم أننا كنا ميسوري الحال، إلا أن الوالد كان يدفعني للعمل وكنت منذ طفولتي أبيع بعض الأشياء البسيطة في حارتي، فكان حافزا لي ولثقتي بنفسي.

هنا يختتم الصناعي السوري الفصل الأول من حياته ليبدأ مرحلة جديدة بعودته إلى سورية ونقل خبرته ومشاريعه إلى مكان انطلاقته لأنه وحسب تعبيره لم يجد في البلدان التي زارها أفضل من بلده لجهة أهلها الأمناء والأكفاء أما لجهة القوانين المتعلقة بالاستثمار فلم تكن مشجعة برأيه، فهي رغم أنها مقبولة إلا أن نظيراتها في العديد من دول العالم وخاصة المجاورة أفضل بكثير من جميع القوانين الموجودة هنا.

وعن انطلاقته في دمشق يتحدث البعلبكي: رغم النجاح والقفزة النوعية التي حققتها في مصنع الألبسة العسكرية إلا أنني بعته عام 1989 وجلبت كل ثروتي إلى بلدي عام 1990، ومع أني لم استفد كثيرا من قانون الاستثمار رقم 10 إلا أن البداية كانت بإحداث مصنع لصناعة المواد الكيميائية لصناعة الأحذية، وصناعة الإسفنج، وصناعة الدهان، وتطور العمل بشكل متسارع معتمداً على عوامل النجاح الثلاثة بدءاً من العمالة التي لا يوجد مثيل لها إلا في قليل من الدول لجهة التقنية والإخلاص فالعامل السوري “عينه ليست ضيقة” ويعمل من قلب ورب، أما التمويل فكان متوفر ورأس المال كافي، إضافة للتعاون الجيد مع الجهات الحكومية ودعمها المشجع.

بعدها جاءت الحرب في سورية ولم يتبق من مصانع إحسان البعلبكي الـ12 سوى مصنعين  “الإسفنج والمواد الكيميائية لصناعة الأحذية” أما بقية المصانع المختصة في البناء أغلبها متوقفة، وبعد أن كان لديه 1500 موظف قبل الأحداث بقي حالياً 300 فقط، غير أنه بقي مصراً على البقاء في سورية مردداً عبارة “الملك الذي ليس في بلدك ليس لك ولا لولدك”.

اليوم وفي 2019 بدا رجل الأعمال الدمشقي راضياً أشد الرضا عن مسيرته ووجوده في بلده وفوق ذلك فهو يخطط لمتابعة ما بدأ به وإحداث جامعة مهنية أسوة بأوروبا، إلا أن النجاح والثروة والمعامل لم تطغ يوماً على حياة البعلبكي الذي تحدث بحنين كبير عن عائلته.. وبغصة كبيرة وبعد دقائق من الصمت واسترجاع الذكريات كان جوابه عن أهم إنجازاته : “أكبر نجاح حققته في حياتي وكنت سعيداً به وبعث بي الفخر والطمأنينة هو زواجي فعندما يصل الإنسان لمرحلة في العمل والاستثمار يجد نهايةً أن الأساس هو العائلة الصالحة فهي رأس المال الحقيقي وأفضل النجاحات وأرقاها.

ويختم إحسان البعلبكي ذكرياته برضا كامل عما حقق ومع ذلك لم يشأ أن يصف نفسه بالإنسان الناجح وإنما بأنه كان موفقاً، وتمكن من تحقيق كل ما حلم به يوماً من كابتن فريق في المدرسة لرئيس الكشافين لأحد أهم الصناعيين واسم سيبقى في سجل الصناعة السورية.

شارع المال